يقال إنه وحتى حلول عام 2018م، شرد حوالى 70 مليون شخص من أوطانهم في جميع أرجاء العالم، بسبب الصراعات والحروب والاضطرابات الدامية، وأيضاً الكوارث الطبيعية، التي شهدها العالم منذ سنة 1945م. ومعروف أن التشرد ظاهرة قديمة قدم المجتمعات البشرية. وما زالت هذه الظاهرة القاسية تشغل العالم، خاصة في الوقت الحاضر، بعد أن تفاقمت وأصبحت لها تبعات سياسية وإنسانية خطيرة. ولمواجهتها، ومساعدة المشردين، وخاصة النساء والأطفال والمسنين، أسست الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتاريخ 14/12/1950م، «مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين»، بشكل مؤقت، إلا أنها أصبحت دائمة فيما بعد.
كما اعتمدت اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين؛ وهى الاتفاقية الدولية التي تعد الأساس القانوني لمساعدة اللاجئين حول العالم. ومع ذلك، تظل هذه المساعدة الأممية محدودة جدّاً، ويقع العبء الأكبر للاجئين على الدول المستضيفة لهم، والتي تحدد -في نهاية الأمر- ما يمكن تقديمه لهم من معونة هامشية، وما لا يمكن.
ومنذ مطلع القرن الواحد والعشرين، كانت المنطقة العربية، وما زالت، مصدراً لأعداد كبيرة من اللاجئين الفارين من بلادهم؛ بسبب الصراعات والحروب الدامية التي تشهدها تلك البلدان، خاصة العراق وسوريا وغيرهما. ونسلط اليوم بعض الضوء على الدور الممكن لمنظمة الأمم المتحدة للتعامل مع هذه المأساة الإنسانية والسياسية الكبرى.
****
ما زال محبو السلام في العالم يأملون أن تسعى كل الدول لتحقيق مصالحها المشروعة دون مساس بالقيم الإنسانية والأخلاقية التي يثمنها الجنس البشرى -بصفة عامة- وأن تحرص الدول الكبرى بخاصة (ولأنها عماد العلاقات الدولية دائماً) على تحقيق ولو الحد الأدنى من العدالة الدولية على الساحة السياسية الدولية التي تتصدرها. فنتيجة للدور الكبير الذي تلعبه الدول العظمى عادة في العلاقات الدولية فإن ما تفعله ينعكس على شتى أرجاء العالم وسواء بالإيجاب أو السلب. ومن الأمثلة البارزة على التدهور السياسي العالمي تراجع دور «الأمم المتحدة»؛ بسبب رفض تطويرها من قبل هذه الدول.
وكان يفترض أن تكون هذه المنظمة هي الحارس الأمين والنزيه لأمن وسلامة العالم، فالعالم في أمس الحاجة إلى «منظمة» تجمع شمله، وتعمل على حفظ السلم والأمن الدوليين، وتدعم التعاون الدولي بما يخدم المصلحة البشرية.
ومنذ الخمسينيات ترتفع أصوات إصلاحة منادية بضرورة إعادة النظر في ميثاق هيئة الأمم المتحدة ووظائفها ومهامها.... إلخ. وقد انصبت مطالب «إصلاح» هذه المنظمة على معظم بنود ميثاقها، وما يتعلق بصلاحيات مجلس الأمن الدولي، وبخاصة العضوية، والتصويت فيه. كما تضمنت ضرورة قيام الأمم المتحدة بدور فعال في منع الحروب والصراعات الأهلية، وإغاثة المحتاجين والمشردين، وتقديم المساعدات المناسبة في حالات الكوارث الإنسانية والسياسية. والأهم أن يعدل دور وسلوك هذه المنظمة قبل فوات الأوان.
****
أقول ذلك بعد قراءتي لمقال في هذه الصحيفة للأستاذ عبداللطيف الضويحي، بعنوان: الأمم المتحدة ودولة اللاجئين (عكاظ: العدد 19950، 10/3/2020م، ص 9). يقول الأستاذ الضويحي، بعد أن تطرق لمشكلة اللاجئين، وما تثيره من بشاعة وصدمات: «مشكلة اللاجئين في المقام الأول، هي أزمة وطن.. من هنا أرى أن على الأمم المتحدة ومنظماتها إيجاد وطن مؤقت لكل لاجئ يتعذر عليه إيجاد وطن مؤقت.. على الأمم المتحدة أن تمتلك مجموعة من الجزر غير المأهولة حسب القانون الدولي. وأن تقيم عليها دولة، وتضع لها دستوراً وقوانين، وتقوم بتهيئتها بالمباني والبنية التحتية الضرورية، من خلال جمع الأموال اللازمة لهذه الدولة.. وأن تكون هذه الدولة وطناً ومقراً دائماً لكل منظمات الأمم المتحدة.. وفي نفس الوقت وطناً مؤقتاً لكل لاجئي العالم، الذين تضيق بهم السبل.. وذلك لحين عودتهم لبلدانهم»..
****
هذا اقتراح وجيه، وأصيل، ومبتكر، ويطرح -على حد علمي- لأول مرة، ويحسب للأستاذ الضويحي. وشخصياً، لم يسبق لي أن سمعت به، أو قرأت عنه، رغم دراستي ومتابعتي لنشاط الأمم المتحدة على مدار العقود الأربعة الماضية. وإنني أؤيد فكرة تخصيص إحدى الجزر غير المأهولة للأمم المتحدة، سواء عبر الشراء أو المنح من القوى الاستعمارية، لاستقبال وإقامة اللاجئين من مختلف المناطق المنكوبة في العالم. وهناك مئات من الجزر الكبيرة غير المأهولة، التي يمكن اختيار إحداها لهذا الغرض.
ولكن هذه البلد (المنطقة/الجزيرة) لا يجب أن تكون «دولة»، بل منطقة تابعة للأمم المتحدة، مخصصة لإيواء اللاجئين ومساعدتهم مؤقتاً، وحتى يعودوا إلى بلادهم الأصلية. أما إن اعتبرت دولة، فإن الغرض من إقامتها سينتفي في المدى الطويل، لمطالبة سكانها (المتوقعة) بالاستقلال والسيادة. ونكون كمن أضفنا دولة جديدة لدول العالم المائتين القائمة حالياً. ولضيق الحيز، أكتفي بهذا القدر، وربما أعود لهذا الموضوع لاحقاً.
* كاتب سعودي
sfadil50@hotmail.com
كما اعتمدت اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين؛ وهى الاتفاقية الدولية التي تعد الأساس القانوني لمساعدة اللاجئين حول العالم. ومع ذلك، تظل هذه المساعدة الأممية محدودة جدّاً، ويقع العبء الأكبر للاجئين على الدول المستضيفة لهم، والتي تحدد -في نهاية الأمر- ما يمكن تقديمه لهم من معونة هامشية، وما لا يمكن.
ومنذ مطلع القرن الواحد والعشرين، كانت المنطقة العربية، وما زالت، مصدراً لأعداد كبيرة من اللاجئين الفارين من بلادهم؛ بسبب الصراعات والحروب الدامية التي تشهدها تلك البلدان، خاصة العراق وسوريا وغيرهما. ونسلط اليوم بعض الضوء على الدور الممكن لمنظمة الأمم المتحدة للتعامل مع هذه المأساة الإنسانية والسياسية الكبرى.
****
ما زال محبو السلام في العالم يأملون أن تسعى كل الدول لتحقيق مصالحها المشروعة دون مساس بالقيم الإنسانية والأخلاقية التي يثمنها الجنس البشرى -بصفة عامة- وأن تحرص الدول الكبرى بخاصة (ولأنها عماد العلاقات الدولية دائماً) على تحقيق ولو الحد الأدنى من العدالة الدولية على الساحة السياسية الدولية التي تتصدرها. فنتيجة للدور الكبير الذي تلعبه الدول العظمى عادة في العلاقات الدولية فإن ما تفعله ينعكس على شتى أرجاء العالم وسواء بالإيجاب أو السلب. ومن الأمثلة البارزة على التدهور السياسي العالمي تراجع دور «الأمم المتحدة»؛ بسبب رفض تطويرها من قبل هذه الدول.
وكان يفترض أن تكون هذه المنظمة هي الحارس الأمين والنزيه لأمن وسلامة العالم، فالعالم في أمس الحاجة إلى «منظمة» تجمع شمله، وتعمل على حفظ السلم والأمن الدوليين، وتدعم التعاون الدولي بما يخدم المصلحة البشرية.
ومنذ الخمسينيات ترتفع أصوات إصلاحة منادية بضرورة إعادة النظر في ميثاق هيئة الأمم المتحدة ووظائفها ومهامها.... إلخ. وقد انصبت مطالب «إصلاح» هذه المنظمة على معظم بنود ميثاقها، وما يتعلق بصلاحيات مجلس الأمن الدولي، وبخاصة العضوية، والتصويت فيه. كما تضمنت ضرورة قيام الأمم المتحدة بدور فعال في منع الحروب والصراعات الأهلية، وإغاثة المحتاجين والمشردين، وتقديم المساعدات المناسبة في حالات الكوارث الإنسانية والسياسية. والأهم أن يعدل دور وسلوك هذه المنظمة قبل فوات الأوان.
****
أقول ذلك بعد قراءتي لمقال في هذه الصحيفة للأستاذ عبداللطيف الضويحي، بعنوان: الأمم المتحدة ودولة اللاجئين (عكاظ: العدد 19950، 10/3/2020م، ص 9). يقول الأستاذ الضويحي، بعد أن تطرق لمشكلة اللاجئين، وما تثيره من بشاعة وصدمات: «مشكلة اللاجئين في المقام الأول، هي أزمة وطن.. من هنا أرى أن على الأمم المتحدة ومنظماتها إيجاد وطن مؤقت لكل لاجئ يتعذر عليه إيجاد وطن مؤقت.. على الأمم المتحدة أن تمتلك مجموعة من الجزر غير المأهولة حسب القانون الدولي. وأن تقيم عليها دولة، وتضع لها دستوراً وقوانين، وتقوم بتهيئتها بالمباني والبنية التحتية الضرورية، من خلال جمع الأموال اللازمة لهذه الدولة.. وأن تكون هذه الدولة وطناً ومقراً دائماً لكل منظمات الأمم المتحدة.. وفي نفس الوقت وطناً مؤقتاً لكل لاجئي العالم، الذين تضيق بهم السبل.. وذلك لحين عودتهم لبلدانهم»..
****
هذا اقتراح وجيه، وأصيل، ومبتكر، ويطرح -على حد علمي- لأول مرة، ويحسب للأستاذ الضويحي. وشخصياً، لم يسبق لي أن سمعت به، أو قرأت عنه، رغم دراستي ومتابعتي لنشاط الأمم المتحدة على مدار العقود الأربعة الماضية. وإنني أؤيد فكرة تخصيص إحدى الجزر غير المأهولة للأمم المتحدة، سواء عبر الشراء أو المنح من القوى الاستعمارية، لاستقبال وإقامة اللاجئين من مختلف المناطق المنكوبة في العالم. وهناك مئات من الجزر الكبيرة غير المأهولة، التي يمكن اختيار إحداها لهذا الغرض.
ولكن هذه البلد (المنطقة/الجزيرة) لا يجب أن تكون «دولة»، بل منطقة تابعة للأمم المتحدة، مخصصة لإيواء اللاجئين ومساعدتهم مؤقتاً، وحتى يعودوا إلى بلادهم الأصلية. أما إن اعتبرت دولة، فإن الغرض من إقامتها سينتفي في المدى الطويل، لمطالبة سكانها (المتوقعة) بالاستقلال والسيادة. ونكون كمن أضفنا دولة جديدة لدول العالم المائتين القائمة حالياً. ولضيق الحيز، أكتفي بهذا القدر، وربما أعود لهذا الموضوع لاحقاً.
* كاتب سعودي
sfadil50@hotmail.com